بقلم الباحث اللغوي الملفونو يعقوب حنا رئيس مجمع اللغة السريانية
نشأت اللغة الآرامية السريانية ونمت وازدهرت في سوريا وبيث نهرين منذ آلاف السنين.
وحينما قامت الدولة الأخمينية الفارسية واستولت على هذه البلاد اتخذت من اللغة الآرامية السريانية لغة رسمية لها نظرا" لانتشارها الواسع وسهولتها ويسرها وصعوبة وتعقد وتخلف اللغة الفارسية البهلوية أنذاك . وبذلك أصبحت لغتنا هذه لغة الدولة والعلم والسياسة والتجارة على امتداد هذه الإمبراطورية مترامية الأطراف من حدود الهند والصين شرقا" وحتى نهاية حدود مصر غربا" وقد حافظت هذه الدولة على لغتنا الآرامية السريانية موحدة ووضعت لها القواعد والضوابط ونشرتها في بقاع من الأرض لم تعرفها من قبل كمنطقة تيماء في شبه جزيرة العرب واستمر ذلك منذ عام 531 قبل الميلاد وحتى عام 330 قبل الميلاد .
وبأفول نجم هذه الدولة استطاع الإغريق أي اليونان القدماء احتلال الكثير من مناطقها فأصبحت اللغة اليونانية لغة الدولة وحلت بذلك محل الآرامية التي انقسمت إلى لهجات عديدة وضعف شأنها وتسرب إليها الكثير من الألفاظ اليونانية .
ولكن هذه اللغة ظلت قوية" جبارة" فاستوعبت وتمثلت الحضارة والثقافة اليونانيتين بسائر فروعهما وتمثلت أعداد كبيرة من الألفاظ اليونانية .
وحينما أشرق نور المسيحية على العالم انطلاقا" من بلادنا المباركة هذه استطاعت اللغة الآرامية السريانية استيعاب اللاهوت المسيحي وكل ما يتعلق به من العلوم الكنسية المتنوعة فازدادت غنن" وثراء" .
ولكن ظروفا" تاريخية قاهرة ألمت بهذه البلاد فجعلت اللغة الآرامية السريانية ينحسر ظلها ويزول استعمالها في الكثير من مجالات الثقافة والحياة ولكن بشكل تدريجي استمر عدة قرون ولولا أن الله وهبها من القوة ما وهبها لماتت كغيرها من اللغات القديمة .
ظلت لغتنا محتفظة" بمعظم ألفاظها وقواعدها وأصولها وضوابطها على الرغم من عاديات الزمان ولكنها بأمس الحاجة إلى مدد أبنائها لتواجه التحديات التي تحيق بها وتواكب مسيرة العلم والمعرفة .
والتحديات التي تواجه لغتنا تتمثل في تحدي لغات الشعوب التي تعيش معنا في الوطن وتحدي انتشار أبناء الشعب السرياني في أوربا وأمريكا وتحدي العولمة وتحدي التقدم العلمي المتسارع الأمر الذي نجم عنه استعمال أعدا وفيرة متزايدة من الألفاظ الدخيلة في لغتنا مما يلحق بها أشد الضرر إن لم تعالج هذه الظاهرة اللغوية الخطيرة .
ومن هنا كانت فكرة إنشاء مجمع اللغة السريانية الذي يتلخص عمله بمنهج متكامل قوامه :
1 – إحياء الألفاظ العلمية المتنوعة الواردة في أمهات الكتب السريانية العلمية والثقافية المتنوعة الموضوعة والمترجمة وفي المعاجم السريانية الكثيرة والنقوش والكتابات القديمة والمخطوطة .
2 – ترجمة المصطلحات العلمية الحديثة من اللغات الأخرى إلى اللغة السريانية .
3 – بما أن اللغة العربية لغة سامية تتفق مع السريانية في خصائصها وقواعدها ومفرداتها الأساسية ونشوء مجامعها اللغوية منذ عشرات السنين وعكوفها على ترجمة المصطلحات العلمية الأوربية إلى اللغة العربية فإنه من الأفضل الترجمة من العربية إلى السريانية ما أمكن ذلك .
4 – في لغة العلم والمعارف المختلفة ألفاظ ومصطلحات غير قابلة للترجمة وهنا نلجأ إلى السرّينة أي صياغة المصطلح الأجنبي بما يتناسب مع صيغ وقواعد اللغة السريانية .
5 – إغناء بعض الألفاظ السريانية القديمة بمعان جديدة تتناسب مع العلوم العصرية 6 – تحوير أي (تعديل ) معاني بعض الألفاظ لتعبر عن معطيات جديدة .
7 – المصطلحات العلمية التي تتعذر معالجتها بالوسائل السابقة تستعمل كما هي في لغتها الأصلية .
8 – إذا وجد مصطلح علمي سرياني وأخر يوناني دخيل منذ القدم نعتمد المصطلح السرياني ونهمل اليوناني .
وإننا نغتنم هذه الفرصة السانحة لدعوة سائر المهتمين بلغتنا السريانية والباحثين فيها والغيارة عليها أن يساعدونا في النهوض بما ندبنا أنفسنا إليه وهو إغناء وتطوير لغتنا السريانية الحبيبة والعريقة لتأخذ مكانها اللائق تحت الشمس .
عقد مجمع اللغة السريانية جلسته الثانية بعد التأسيس في مقره الكائن في مدينة ديرك في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم السبت الواقع في 7 / 6/ 2014 بحضور الملفونو يعقوب حنا رئيس المجمع والملافنة حنا بهنان نائب رئيس المجمع وفهد حنا شيعا أمين سر المجمع ويعقوب دنحو وشاميرام حنا ويعقوب برصوم وميرفت كريم وأفرام نعوم أعضاء المجمع وقد تضمنت هذه الجلسة مناقشة و إقرار منطلقات وأسس وضوابط العمل اللغوي للمجمع وهي :
1 – إن مركزية الثقافة الانسانية هي سوريا وبيث نهرين وليست المركزية الأوربية المنطلقة من الثقافة اليونانية واللاتينية لأنها الأقدم تاريخيا" .
2 – إن اللغة السريانية لغة سامية تتكاثر مفرداتها بالاشتقاق وهي تماثل العربية والعبرية في هذا الشأن وهذه اللغات الثلاث هي اللغات السامية الحية الباقية حتى الآن ويجب الأخذ بهذا المبدأ عند صياغة الألفاظ العلمية في السريانية أما اللغات الأوربية فهي من اللغات الآربائية التي تتكاثر وتتوالد ألفاظها بالسوابق واللواحق فطبيعتها إلصاقية لا إشتقاقية ويجب مراعاة ذلك في نقل المصطلحات العلمية الأوربية إلى اللغة السريانية .
3 – لقد قطعت مجامع اللغة العربية ومكتب تنسيق التعريب في الرباط مراحل طويلة في نقل المصطلحات العلمية الأوربية إلى اللغة العربية ويجب الاستفادة من هذه الجهود عند نقل هذه المصطلحات إلى اللغة السريانية .
4 – نستعمل المصطلحات العلمية الموجودة في أمهات الكتب والمعاجم السريانية ما أمكن ذلك .
5 – في حال عدم إمكانية ترجمة المصطلح العلمي إلى اللغة السريانية نلجأ إلى السرّينة أي إلى إعادة صياغة الكلمة الدخيلة بما يتناسب مع أوزان وضوابط اللغة السريانية .
6 – في حال عدم قابلية المصطلح العلمي للترجمة والسرّينة نستعمله كما هو في لغته الأصلية .
7 – يمكن تحوير معاني بعض الألفاظ المترجمة وذلك بإعطائها معاني عصرية جديدة لوجود علاقة بين معناها القديم ومعناها الجديد .
8 – الاعتماد والاسترشاد بلغة المصدر الأصلي للمصطلح .
- كما تمت مراجعة النظام الداخلي وإضافة هذه المنطلقات إليه. و جرى الحديث عن بعض المصطلحات العلمية الخاصة بالكهرباء والتركيز على الرجوع إلى المعاجم اللغوية السريانية والعربية والأجنبية لمعرفة المصطلحات العلمية المستعملة سابقا" ومعرفة المصطلحات الجديدة التي سيضيفها المجمع .
- وتقرر تزويد المكتبة ببعض المعاجم والكتب اللغوية الهامة للرجوع إليها والاستفادة منها .
نشاطات المجمع:
- 1 - توزيع بحث ألفاظ الكهرباء في اللغة السريانية الذي أعده الملفونو يعقوب حنا على رئيس المجمع لدراسته ومناقشته وإبداء الملاحظات حوله بهدف المناقشة والإقرار في الاجتماع المقبل .
- 2 - أقام مجمع اللغة السريانية محاضرة عنوانها الأصول السريانية لأسماء المدن والقرى في بيث نهرين ألقاها الملفونو يعقوب حنا بتاريخ 22/ 6 / 2014
- 3 - تم الانتهاء من وضع كتابي تدريس اللغة السريانية الأول والثاني وهما جاهزان للطباعة . أما الكتاب الثالث فسيتم انجازه خلال الأيام القليلة القادمة .
منشورات مجمع اللغة السريانية
ديرك في 27 / 6 / 2014